هكذا عوقبت دول أخرى جرّبت اللعبة الخطيرة

تحليل | ماذا لو بدأت الولايات المتحدة بتزوير بياناتها الاقتصادية؟

a-large-amount-of-100-us-dollar-money-of-american-2025-04-01-06-48-21-utc.jpeg
المنقبون - The Miners

الكذب على الدائنين فكرة سيئة حتى لو كنت فرداً، فما بالك لو كنت دولة بأكملها؟

هذا هو الشبح الذي يلوّح به منتقدو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعدما أقال رئيس مكتب إحصاءات العمل (BLS) مطلع هذا الشهر عقب صدور بيانات توظيف مخيبة للآمال. 

ورغم أنه لا يوجد دليل حتى الآن على التلاعب بالبيانات – باستثناء مزاعم البيت الأبيض – إلا أن تعيين شخصية حزبية لقيادة أهم جهاز إحصائي اقتصادي في البلاد كان كافيا لإثارة الذعر في الأوساط المالية والاقتصادية العالمية.

القضية لا تتعلق بأمريكا فقط، بل بالعالم أجمع؛ فالاقتصاد الأمريكي يحدد مصير سكان وول ستريت كما يؤثر على جامعي القمامة في أحياء عشوائية بالعالم النامي.

لكن، وعلى عكس اليونان التي زوّرت أرقام عجزها لدخول الاتحاد الأوروبي، أو الأرجنتين التي ما زالت تغرق في دعاوى قضائية بسبب بيانات تضخم مزيفة، تظل الولايات المتحدة مختلفة. فهي أكبر اقتصاد عالمي، مدعومة بسنوات من الهيمنة والقوة المالية.

البيت الأبيض دافع عن قرار ترامب قائلاً إن الهدف ليس التسييس بل “إصلاح بيانات BLS بعد سنوات من المراجعات غير الطبيعية منذ جائحة كورونا”، مؤكدًا أن ترامب يريد استعادة ثقة الأمريكيين ببيانات التوظيف والتضخم.

لكن خبراء الاقتصاد يرون أن أمريكا تقف الآن عند مفترق طرق: هل تحافظ على مصداقية بياناتها التي اعتُبرت “المعيار الذهبي” عالميًا؟ أم تنزلق نحو لعبة خطرة تهدد الثقة الدولية؟

دروس من اليونان

عام 2004، اعترفت اليونان بتزوير بيانات عجزها وديونها لتتأهل لليورو عام 2001. وفي 2010، حاول الخبير أندرياس جورجيو إعادة المصداقية بنشر بيانات حقيقية، لكنه وُجه بملاحقات قضائية وضغوط سياسية.

النتيجة؟ عندما انفجرت أزمة 2008–2009، كان الوضع أسوأ بكثير. المستثمرون فقدوا الثقة ورفعوا تكلفة الاقتراض بشكل جنوني. 

وصندوق النقد والبنك الدولي فرضا إجراءات تقشف قاسية، ما أشعل احتجاجات عارمة وصور اليونانيين الغاضبين في الشوارع صارت رمزًا للفوضى الاقتصادية.

الأرجنتين: أرقام التضخم الوهمية

في 2007، أطاح الرئيس نيستور كيرشنر بمسؤولة إحصاء لأنها أبلغت عن ارتفاع حقيقي في التضخم. منذ ذلك الحين، لم يثق أحد ببيانات الأسعار الرسمية.

الضرر لم يكن مجرد شكوك:

    •    التصنيفات الائتمانية هبطت لمستوى “الخردة”.

    •    تكاليف الاقتراض ارتفعت.

    •    الاستثمارات هربت رغم ثروة البلاد من الموارد.

النتيجة: المواطنون العاديون دفعوا الثمن في صورة خدمات عامة متدهورة وديون باهظة.

هل أمريكا على نفس الطريق؟

العديد من الخبراء يؤكدون: الوضع مختلف.

    •    الاقتصاد الأمريكي ينمو بنسبة 3% سنويًا.

    •    الناتج يتجاوز 30 تريليون دولار.

    •    الولايات المتحدة تظل أكبر مركز مالي عالمي.

يقول روبرت شابيرو، وكيل وزارة التجارة الأسبق: “عندما كذبت اليونان والأرجنتين، كانت اقتصاداتهم مدمرة أصلًا. أما نحن فاقتصادنا قوي، والضرر المحتمل أخطر لأنه يهدد معيار الثقة العالمي.”

ترامب أقال إريكا ماكنتارف، مفوضة BLS، بعد تقرير وظائف أظهر تباطؤًا حادًا وتعديلات هابطة للشهور السابقة. ترامب اتهمها – بلا دليل – بالتلاعب.

لكن خبراء أكدوا أن BLS مؤسسة عالمية مرموقة لا يمكن لرئيسها “تغيير الأرقام يدويًا”، فالنظام مغلق ومحكم قبل وصول الأرقام لأي مسؤول.

ومع ذلك، فإن التعديلات الكبيرة المتكررة (مثل مراجعة 2024 التي كشفت أن الاقتصاد أضاف 818 ألف وظيفة أقل مما كان معلنًا) تثير تساؤلات حول منهجيات جمع البيانات ونقص التمويل الذي أجبر BLS على تقليص بعض الإحصاءات.