رغم أنه العملة الأكثر تداولاً في السوق الفلسطينية، إلا أن الشيكل الإسرائيلي تحوّل إلى عبء ثقيل على البنوك العاملة في السوق الفلسطينية، وسط تفاقم أزمة تكدّسه داخل المصارف ورفض الجانب الإسرائيلي استلامه.
فعلى مدار أكثر من عشرة أشهر، ترفض البنوك الإسرائيلية استقبال الكميات الفائضة من الشيكل، وهو ما دفع سلطة النقد الفلسطينية إلى التحذير مرارا من التداعيات المالية لهذا الوضع.
بينما مؤخراً اتخذت بنوك عاملة في السوق المحلية قرارات فردية، حددت بموجبها سقف إيداع الشيكل يوميا، بسبب عدم قدرتها على تخزين العملة داخل الفروع.
ورغم أن هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، فإن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكتوبر 2023 فاقمت المشكلة.
فبينما تراكمت سنوياً نحو 18 مليار شيكل لدى القطاع المصرفي الفلسطيني، وصلت الفوائض في الشهور الأخيرة إلى أكثر من 22 مليار شيكل.
وبموجب الاتفاقيات السابقة، فإن بنك إسرائيل ملزم نظرياً بسحب الفائض من العملة من السوق الفلسطينية، لكن ما يتم فعليا حتى فترة ما قبل الحرب، لا يتجاوز سحب 4 مليارات شيكل كل 3 أشهر، وهو رقم غير كافٍ أمام الكميات المتكدسة.
من أين يأتي فائض الشيكل؟
تأتي السيولة الزائدة من الشيكل إلى البنوك الفلسطينية عبر عدة قنوات، أبرزها:
• أجور العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل، والتي تُدفع بالشيكل وتُحوَّل إلى الضفة وغزة.
• التبادل التجاري بين الجانبين، حيث تنتقل الكتلة النقدية من إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية.
• مشتريات فلسطينيي الداخل من أسواق الضفة، خاصة بعد تحديد سقف الكاش داخل إسرائيل عند 11 ألف شيكل، ما دفع بعضهم لتجاوز القيود عبر التسوّق في الضفة والدفع نقداً.
• تحويل الأموال بالشيكل عبر المعابر وتصريفها محليا، وفقا لمصادر مصرفية.
لماذا يقلق البنوك هذا التكدس؟
تعمل البنوك وفق أنظمة داخلية تحدد سقف الكتلة النقدية المسموح بها لكل عملة؛ ومع تجاوز هذه الحدود بالنسبة للشيكل، اضطرت بعض البنوك إلى رفض استقبال الودائع بالعملة الإسرائيلية.
في بعض الحالات، لم تعد الخزائن قادرة على استيعاب المزيد، ما دفع بعض الفروع إلى تخزين الكتل النقدية في أكياس قمامة بلاستيكية.
الشيكل الخامل.. نقد بلا قيمة فعلية
المعضلة الكبرى أن هذه السيولة لا يمكن توظيفها في القروض أو أدوات استثمارية أخرى، ما يجعلها تُصنّف كـ”شيكل خامل”. وهو ما يؤدي إلى:
• تكاليف تخزين وتأمين عالية.
• أعباء إضافية عند النقل بين الفروع أو عند التسليم المحتمل لإسرائيل لاحقًا.
• تآكل فعلي لقيمة الشيكل، حيث تصبح كلفته على البنك أعلى من قيمته الاسمية.
خسائر غير مباشرة… وتهديد للاستقرار المالي
تسجّل هذه التكاليف كمصاريف تشغيلية إضافية، ما يؤثر على الربحية النهائية للبنوك، ويحدّ من قدرتها على التوسّع في الإقراض والاستثمار، وهي صلب مهام القطاع المصرفي.
وتعمل في السوق الفلسطينية 13 مؤسسة مصرفية، منها 7 محلية و6 بنوك وافدة (5 أردنية ومصرف مصري واحد)، وجميعها تتأثر بدرجات متفاوتة بأزمة “الشيكل الخامل”، والتي باتت تحتاج إلى حل سياسي واقتصادي عاجل قبل أن تتحوّل إلى قيد خانق للسيولة وللقدرة التشغيلية للقطاع المالي في فلسطين.