تحليل | أسعار الذهب.. رحلة عقدين من الارتفاعات القياسية

-1x-1.webp
المنقبون - The Miners

شهدت أسعار الذهب تطورا تاريخيا لافتا منذ مطلع الألفية الجديدة حتى بلغت مستوى غير مسبوق متجاوزة 3500 دولار للأونصة في 21 أبريل 2025، قبل أن تتراجع قرب 3360 دولاراً.

هذا الارتفاع المطّرد عبر السنوات جعل المعدن النفيس محور اهتمام المستثمرين والمحللين الاقتصاديين، حيث تجاوز الذهب حواجز سعرية مهمة بوتيرة متسارعة. 

في هذا التقرير تستعرض معكم منصة المنقبون أبرز محطات رحلة صعود الذهب من 1000 دولار لأول مرة في 2008 إلى 3500 دولار في 2025، ونوضح الفوارق الزمنية بين هذه المحطات ودلالات تلك التحركات من منظور اقتصادي واستثماري عام.

مارس 2008: اختراق حاجز 1000 دولار لأول مرة

بدأ الذهب رحلته نحو الأسعار القياسية مع بلوغه 1000 دولار للأونصة لأول مرة في مارس 2008؛ وجاء هذا الإنجاز التاريخي على خلفية أزمة مالية عالمية، إذ تزامن مع انهيار بنك الاستثمار الأميركي بير ستيرنز الذي أثار مخاوف عميقة بشأن استقرار النظام المالي.

دفعت تلك المخاوف المستثمرين إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن لحفظ القيمة، مما رفع أسعاره بشكل حاد آنذاك. 

وللعلم، سعر الذهب كان يدور حول 250 دولارا فقط مطلع العقد الأول من القرن، ما يعني أنه تضاعف عدة مرات وصولاً إلى عتبة الألف دولار في أقل من عقد، مدفوعًا باضطرابات أسواق المال وارتفاع الطلب الاستثماري على المعدن.

أغسطس 2020: تجاوز حاجز 2000 دولار

بعد أكثر من اثني عشر عاما على الوصول إلى الألف الأولى، تمكن الذهب من تجاوز حاجز 2000 دولار للأونصة في أغسطس 2020 للمرة الأولى في تاريخه.

تحقق هذا الارتفاع خلال ذروة جائحة كوفيد-19 التي ضربت الاقتصاد العالمي، حيث أدى انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات شديدة التدني وحزم تحفيز اقتصادي غير مسبوقة إلى زيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن.

في ذلك الوقت، بلغت أسعار المعدن النفيس مستويات قياسية (حوالي 2030 دولارًا) بدعم من حالة عدم اليقين العالمي وانهيار العوائد الحقيقية على الأصول الأخرى. 

لقد أثبت الذهب في هذه المرحلة مجددا دوره التاريخي كملجأ موثوق خلال الأزمات، خاصة مع تراجع الثقة بالأسواق المالية التقليدية وتذبذب قيمة العملات الورقية بفعل السياسات النقدية التوسعية.

مارس 2025: سعر 3000 دولار للأونصة

لم يحتج الذهب هذه المرة سوى أقل من خمس سنوات لزيادة ألف دولار أخرى على سعره. ففي مارس 2025 تخطى سعر الذهب مستوى 3000 دولار للأونصة لأول مرة في تاريخه الحديث. 

وجاء هذا الاختراق مدفوعًا بمجموعة من العوامل المتداخلة؛ أبرزها استمرار المخاوف بشأن هشاشة الاقتصاد العالمي وتصاعد التوترات التجارية الدولية في ظل سياسات تجارية حمائية.

كما لعبت مشتريات البنوك المركزية لكميات كبيرة من الذهب دورًا مهمًا في هذا الصعود، إذ عززت الطلب على المعدن كوسيلة لتنويع الاحتياطيات والتحوّط من التقلبات. 

وتعززت جاذبية الذهب أيضًا بفعل توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية بعد بلوغ التشديد النقدي مداه، مما زاد الإقبال الاستثماري على الأصول الخالية من العائد مثل الذهب. 

وهكذا وصل المعدن الأصفر إلى ثالث ألف دولار في سعره بوتيرة أسرع بكثير من السابق، مؤكّدًا منحنى الصعود المتسارع خلال السنوات الأخيرة.

أبريل 2025: القمة التاريخية عند 3500 دولار

بعد أسابيع قليلة من تجاوز حاجز 3000 دولار، واصل الذهب اندفاعه ليسجل مستوى يفوق 3500 دولار للأونصة في 21 أبريل 2025.

هذه القفزة السريعة إلى ذروة سعرية تاريخية جاءت على وقع تفاقم بعض المخاطر السياسية والاقتصادية؛ إذ أدّت مخاوف من تدخلات سياسية في عمل البنوك المركزية.

وتزامن ذلك مع تراجع في شهية الاستثمار بأسواق الأسهم والسندات، بل وحتى ضعف في مؤشر الدولار الأميركي، ما أعطى دفعة إضافية لسعر الذهب. 

ورغم أن الأسعار تراجعت قليلًا بعد ملامسة تلك الذروة (بسبب جني الأرباح القصير الأمد)، إلا أن الذهب ثبت موقعه فوق مستوى 3500 دولار مما رسّخ مكانته الجديدة في سجل الأسعار التاريخية للمعدن النفيس.

تسارع وتيرة تحقيق الأرقام القياسية

من الملاحظ أن الفواصل الزمنية بين كل محطة سعرية ألفية وأخرى أخذت في التضاؤل بشكل كبير، مما يعكس تسارع وتيرة صعود الذهب عبر العقدين الماضيين:

  • من 100 إلى 1000 دولار: 35 سنة (عام 1973 إلى مارس 2008)
  • من 1000 إلى 2000 دولار: 12 سنة (مارس 2008 إلى أغسطس 2020).
  • من 2000 إلى 3000 دولار: أقل من 5 سنوات (أغسطس 2020 إلى مارس 2025).
  • من 3000 إلى 3500 دولار: شهر واحد فقط (مارس 2025 إلى أبريل 2025).

هذا يعني أن كل قفزة ألف دولار جديدة تحققت في زمن أقصر بكثير من سابقتها. فعلى سبيل المثال، استغرق الأمر أكثر من عقد لتضاعف الأسعار من 1000 إلى 2000 دولار.

لكن لم يتطلب الأمر سوى بضع سنوات للوصول من 2000 إلى 3000 دولار، ثم مجرد أسابيع معدودة لاختراق حاجز 3500 دولار.