المنقبون - The Miners
تبدو مهمة الحصول على الكاش في قطاع غزة غاية في الصعوبة، في ظل شح السيولة خلال شهور الحرب على غزة، بالتزامن مع غياب المصارف.
وطال التدمير مقار البنوك والمنشآت المصرفية، في ظل نزوح جماعي للمصارف من شمال غزة منذ الشهر الأول للحرب، وهو ما يعقّد الحصول على الكاش.
وبجانب ذلك، ترفع إسرائيل إدخال السيولة التي تنقص البنوك، خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2023 حتى سبتمبر 2024.
ظواهر مستحدثة
وخلال ذلك الوقت، شهد القطاع ظواهر مصرفية غير مسبوقة، تمثلت في نظام "التكييش" النقدي مقابل عمولات تصل إلى نحو 20%، في ظل نقص كبير في السيولة النقدية وتوقّف عمل البنوك، نتيجة تواصل العدوان وقسوته والخوف الذي يسيطر على الجميع.
علاوة على ذلك، فإن البنوك شهدت تدميراً لعدد من الفروع التابعة لها، عدا عن تدمير في الصرافات الآلية التابعة لفروعها، ما انعكس بالسلب على طبيعة الخدمات المقدمة لنحو 2.4 مليون نسمة يعيشون في القطاع.
وبات الحصول على سيولة نقدية أو إجراء تحويل نقدي في ظل الحرب الإسرائيلية مهمة شاقة للغاية، في ظل نقص كبير في المعدات والأدوات واستمرار الحرب وتواصل عمليات التدمير على صعيد البنية التحتية.
في حين، تقول سلطة النقد الفلسطينية إن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والمالية للعدوان لها أثر كبير على القطاع المصرفي، وطاولت أصولا ومقرات ومحافظ ائتمانية، مما كبده خسائر تشغيلية وتكوين مخصصات أدت إلى تراجع كبير في أرباحه مع نهاية عام 2023.
وتضيف سلطة النقد: "المصارف ما تزال تسجل تراجعا في الربحية في عام 2024، بما يتلاءم مع حجم الخسائر التي تلحق بها، وفق متطلبات المعايير الدولية ذات العلاقة".
ومن ناحية أخرى تأثرت عمليات المصارف وإمكانية خدمة عملائها في المناطق المدمرة والمسيطر عليها بشكل كامل من قبل القوات الإسرائيلية.
وبحسب سلطة النقد، فقد بلغت أصول فروع المصارف في غزة حوالي 1.5 مليار دولار.
وتشكل التسهيلات الائتمانية الجزء الأكبر منها بحوالي 960 مليون دولار، فيما تجاوزت الخسائر المالية والتشغيلية مقابل تلك الأصول ما قيمته 250 مليون دولار.
وتشير إلى أن في قطاع غزة 56 فرعاً، و91 آلة صراف آلي للبنوك، كلها تضررت بشكل جزئي أو كلي بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر الحادي عشر على التوالي، مما أدى إلى خروج معظمها عن الخدمة.
وتلفت إلى أن التحدي الأكبر الذي يؤثر سلباً في كافة نواحي الحياة والقطاعات الاقتصادية، لا سيما البنوك، هو استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما يبقي حالة عدم اليقين التي ما زالت سائدة نتيجة الحرب المستمرة على القطاع والضفة.
ومن الصعب توقّع السيناريوهات خلال الفترات الزمنية المقبلة، مما يشكل ضغطاً إضافياً على المصارف وسلطة النقد لاتخاذ إجراءات وتدابير للتعامل مع السيناريوهات والمخاطر المختلفة، لا سيما في ظل استمرار إغلاق الفروع، فضلاً عن التهديدات الإسرائيلية المتكررة بشأن التعامل مع المصارف الفلسطينية، وفق حديث سلطة النقد.
وعن حجم الودائع، تنبه سلطة النقد إلى أن ودائع المتعاملين مع القطاع المصرفي الفلسطيني ككل بلغت حوالي 17.6 مليار دولار، مع نهاية النصف الأول من العام الحالي، وهي مرتفعة عن نفس الفترة من العام السابق بنسبة 4.7%، وبالتالي فإن المؤشرات المالية ما زالت تدل على ارتفاع حجم الإيداعات في القطاع المصرفي رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.
واقع صعب
من جانبه، يقول الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن هناك مشاكل في القوى البشرية المتعطلة عن العمل في البنوك، باستثناء عدد قليل يعمل في الفروع المتبقية في المناطق الجنوبية والوسطى في القطاع.
ويضيف أبو قمر أن كبريات البنوك تعمل بنظام العقود السنوية من دون منح العاملين فيها عقودا دائمة، حتى تستطيع القيام بإجراءات تسريح بحق الموظفين في أي وقت تريده إدارة هذه المؤسسات المصرفية.
ويكشف أن الكثير من هذه المؤسسات لجأت إلى تسريح الكثير من موظفيها العاملين بنظام العقود، وسط تخوفات ستلقي بظلالها على الموظفين المثبّتين بعد أن تنتهي الحرب الإسرائيلية على القطاع وإمكانية تسريح عدد كبير منهم.
ووفقاً لأبو قمر، فإن عمليات التسريح ستكون أكيدة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة والتي ستطاول عددا كبيرا من الموظفين، لا سيما في ظل حالة الركود الاقتصادية التي تمر بها فلسطين والعالم عموماً.
ويعتقد أن سلطة النقد مطالبة باتخاذ إجراءات حقيقية وفعلية لإنقاذ القطاع المصرفي، لا سيما وأنها وقفت دون اتخاذ أي إجراءات على مدار 11 شهراً من الحرب.
ويلفت إلى ضرورة أن تكون هناك عمليات إسعاف وطوارئ للموظفين العاملين في القطاع المصرفي، ومحاولة دمجهم في السوق بمجرد توقف الحرب، وترميم الأصول النقدية للبنوك، لا سيما وأن أرباح البنوك كانت خيالية قبل الحرب.