هل فقدت وسائل التواصل معناها؟ دمية مجهولة وشوكولاته غريبة تتحوّل إلى هوس عالمي. كيف أصبح العبث هو القانون الجديد للتريندات؟
تحليل لوكالة بلومبرغ يكشف أن منصات التواصل الاجتماعي تشهد في السنوات الأخيرة انفجارا غير مسبوق في "الترندات"، التي تبدو في كثير من الأحيان بلا منطق أو خلفية واضحة.
فما كان يُعتبر يوما نتاجا طبيعيا للثقافة الشعبية، أصبح اليوم مجرد نتيجة خوارزمية، حيث يكفي أن يكون المنتج "مثيراً" أو "غريباً" ليحظى بانتشار عالمي.
ترندات بلا قصة واضحة
من أبرز الأمثلة الحديثة لعبة Labubu، وهي دمى صغيرة بوجوه كاريكاتورية شريرة تنتجها شركة Pop Mart الصينية.
ورغم أنها مستوحاة من قصص أطفال غير متداولة في الغرب، فإن انتشارها انفجر بعد أن ظهرت في منشورات لمغنية الـK-pop الشهيرة ليسا من فرقة "بلاكبينك".
الترندات الحالية لا تحتاج إلى قصة أو منطق. خوارزميات المنصات الرقمية تكفي لخلق موجة انتشار، إذ يكفي أن يتوقف المستخدم ثوانٍ عند فيديو "غريب" ليصبح جزءًا من دورة ضخمة تدفع بملايين آخرين إلى مشاهدته.
وخلال عام واحد، تضاعفت مبيعات Pop Mart ثلاث مرات، وقفزت أرباحها بنسبة 350%، حتى أصبحت اللعبة نادرة ودفعت إلى ظهور سوق موازية لمنتجات مقلدة تُباع بالزخم نفسه.
وفي الاتجاه نفسه، جاء ترند "شوكولاتة دبي"، وهو لوح شوكولاتة محشو بالكريمة والفستق، ظهر لأول مرة عام 2022.
لم يحتج الأمر أكثر من مقطع عابر على "تيك توك" في نهاية 2023 لتتحول الحلوى إلى ظاهرة عالمية. وخلال أشهر، ملأت التقليدات الأسواق، وارتفعت أسعار الفستق عالميًا.
من الترند الثقافي إلى الترند الخوارزمي
الترندات الحالية لا تحتاج إلى قصة أو منطق. خوارزميات المنصات الرقمية تكفي لخلق موجة انتشار، إذ يكفي أن يتوقف المستخدم ثوانٍ عند فيديو "غريب" ليصبح جزءًا من دورة ضخمة تدفع بملايين آخرين إلى مشاهدته.
هذا ما يصفه بعض المحللين بـ "ثقافة الدوبامين": محتوى قصير المدى مصمم لإثارة الانتباه وإغراق المتلقي بموجات من التحفيز اللحظي، على حساب المعنى أو القيمة الثقافية.
والنتيجة: جمهور يعيش حالة دائمة من الاندفاع الاستهلاكي، حيث يصبح "الغريب"، "اللذيذ"، و"اللطيف" هو الوقود الأساسي لأي ظاهرة جديدة.
ورغم الطابع السطحي لهذه الترندات، فإنها تتطلب دائما عنصرا ماديا: لعبة ملموسة، قطعة شوكولاتة، أو مشروب حقيقي.
فحتى في ظل عالم افتراضي مهيمن، لا يزال الناس يبحثون عن لمسة واقعية تخرجهم من دائرة التمرير اللانهائي على الشاشات.
فالترندات اليوم لم تعد تُبنى على قصص أو سياقات ثقافية، بل على منطق الخوارزميات التي تكافئ ما هو غريب وصادم.
ومع ذلك، فإن النجاح الأكبر يبقى مرتبطًا بما يستطيع المستهلك أن يلمسه في حياته اليومية.
قد لا نفهم كيف بدأ كل ذلك، لكن النتيجة واضحة: ثقافة استهلاكية لحظية، تغذيها الخوارزميات، وتعيد تشكيل علاقة الناس بالواقع والخيال معًا.