تحليل | بين السيادة والتكدس: هل تعلن فلسطين عن عملة وطنية؟

1699142702.jpg
المنقبون - The Miners

منذ أكثر من عقد، يتردد في الأروقة السياسية والمالية الفلسطينية سؤال مركزي: هل آن الأوان لفك الارتباط النقدي عن الشيكل الإسرائيلي؟ 

وبين موجات التصعيد السياسي، وأزمات تكدس العملة، والنقاشات حول “العملة الرقمية”، يبدو ظاهرياً أن السلطة الفلسطينية باتت تقترب من مفترق طرق اقتصادي سيادي بالغ الحساسية.

والأحد، أعلنت سلطة النقد الفلسطينية أنه نظرا لاستمرار رفض الجانب الإسرائيلي التجاوب لشحن فائض الشيكل في المصارف الفلسطينية إلى المصارف الإسرائيلية، فإنها تعمل حالياً على دراسة بعض البدائل للحد من أزمة تكدس العملة، من ضمنها التحول لاستخدام عملة بديلة، والاستغناء عن الشيكل، كعملة رئيسية للتداول.

وأكدت سلطة النقد أن هذه الخطوة باتت ضرورية اليوم، ليس فقط لمواكبة التحولات العالمية بالاعتماد على التكنولوجيا في تنفيذ المدفوعات، بل أيضاً كجزء من الحلول الفعالة لمعالجة مشكلة تراكم الشيكل، وتساهم في بناء اقتصاد رقمي أكثر استدامة.

ولم توضح سلطة النقد، إن كانت تقصد استخدام عملة بديلة كالدولار الأميركي والدينار الأردني، أو إصدار عملة رقمية، تكون عملة مدفوعات في السوق المحلية.

إلا أن السوق المحلية تعاني سنوياً من أزمة تذبذب وفرة الدولار والدينار في الأسواق المحلية، ما يجعل الخيار الحالي غير قابل للتطبيق.

تسلسل تاريخي

2010 | الطرح الأولي: في ذلك العام، أعلن محافظ سلطة النقد الفلسطينية حينها جهاد الوزير أن السلطة الوطنية تفكر جدياً في استبدال عملة فلسطينية بالشيكل الإسرائيلي المتداول في أسواق الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال الوزير في حديث إلى صحيفة واشنطن بوست، إن جميع الخيارات مفتوحة وإصدار عملتنا الخاصة هي أحدها، وأضاف أن السلطة الفلسطينية تدرس ربط مستقبل هذه العملة بالدولار أو اليورو أو ربما اعتماد أحدهما بدل الشيكل .

مايو 2017 | محافظ السلطة حينها عزام الشوا أعلن أن السلطة تفكر في إطلاق عملة رقمية وطنية (جنيه فلسطيني)، مشيرًا إلى سياق رقمي «بسهولة استخدام البتكوين»، ضمن خطة إستراتيجية تمتد لخمس سنوات لإطلاق العملة داخل الأراضي الفلسطينية.

ديسمبر 2017 | كرر عزام الشوا، خلال كلمة على هامش اجتماع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، أن العملة الرقمية مستهدفة خلال 5 سنوات، وأن الهدف تجاوز معوقات طباعة العملة التقليدية التي تتطلّب موافقة إسرائيل.  

فبراير 2018 | أول لجنة حكومية: أعلنت الحكومة الفلسطينية عن تشكيل لجنة رسمية لدراسة وقف التعامل بالشيكل، والبحث في إصدار عملة وطنية أو اعتماد بدائل إقليمية.

يونيو – يوليو 2019 | الحكومة تتحدث عن عملة رقمية: صرّح رئيس الوزراء محمد اشتية أن فلسطين “تدرس كل الخيارات بما فيها العملات المشفرة”، في وقت كان محافظ سلطة النقد حينها عزام الشوا يتحدث عن نوايا لإصدار “عملة رقمية” تدريجية.

يونيو 2021 | تأكيد رسمي: محافظ سلطة النقد حينها فراس ملحم أعلن أن هناك دراسات تقنية لإصدار عملة رقمية فلسطينية، معتبرًا الخطوة “رمزية” لفك الارتباط وليس بديلاً فورياً للعملات المتداولة.

تحليل المنقبون

فنيا، تخضع فلسطين لقيود “اتفاق باريس الاقتصادي” الموقع عام 1994، والذي يكرّس الشيكل كعملة رئيسية للتداول، ويمنع إصدار عملة فلسطينية حقيقية بدون موافقة إسرائيلية.

لكن عمليا، ما يحدث في القطاع المصرفي الفلسطيني اليوم يكشف هشاشة هذا الاعتماد:

    •    تكدس النقد: البنوك امتنعت عن قبول المزيد من الودائع بالشيكل بسبب رفض إسرائيل استقبال الكميات الزائدة.

    •    اختناق مالي: تهدد هذه الأزمة قدرة البنوك على تمويل التجارة ودفع الرواتب، وتدفع نحو ركود مصرفي داخلي.

    •    تحول رقمي محتمل: الدفع الإلكتروني يشكل أفقًا واقعياً للتحايل على أزمة النقد.

لكن إصدار عملة فلسطينية -ورقية أو رقمية- يصطدم بجدارين رئيسيين:

الأول هو القبول السياسي والدولي: يتطلب تنسيقا مع المجتمع الدولي، وربما “تغاضيًا” إسرائيليًا.

الثاني هو الثقة والغطاء: أي عملة تحتاج إلى دعم مالي (احتياطات أجنبية، أو ذهب، أو دعم خارجي) لكي تحافظ على قيمتها وتحظى بقبول السوق.