تحقيق | الخيمة القبرصية .. شركة "أوفشور" تجمع بين القذافي وزعيم "الكتائب" اللبنانية 

Screenshot 2023-11-20 at 09.03.40.png
المنقبون - The Miners - أحمد عاشور  / تحقيقات أريج

"أنا في حاجة إلى مساعدتكم"، جملة قالها الزعيم الليبي معمر القذافي لرئيس لبنان الأسبق أمين الجميل، في زيارة الأخير الأولى إلى ليبيا، طالباً منه المساعدة في إغراق البارجة الأميركية "نيو جيرسي" الراسية في مياه بيروت.

يومها كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة، إثر الاشتباكات التي اندلعت في سبعينيات القرن الماضي بين منظمة التحرير الفلسطينية وحزب الكتائب، الذي أسسه بيار الجميل، والد الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل.

احتاجت إعادة ترتيب العلاقات بين الطرفين -بعد انسحاب منظمة التحرير من بيروت في العام 1982- إلى وساطة الملك المغربي الحسن الثاني، ليحل الجميل ضيفاً على القذافي في خيمته في طرابلس.

دور الوساطة هذا، ارتضى الجميل أن يقوم به بعد نحو 20 عاماً، عندما وصل تدهور العلاقات اللبنانية الليبية أشدّه، إثر اتهامات "حركة أمل" المتكررة لنظام القذافي باختطاف مؤسس الحركة، موسى الصدر. يومها كان الجميل منخرطاً في المعارضة المناوئة للوجود السوري في لبنان، المدعوم من حركة "أمل".

في حزيران/يونيو 2003، ذهب الجميل إلى طرابلس للقاء القذافي، برفقة نجله النائب في البرلمان اللبناني بيار الجميل، الذي اغتيل عام 2006، وعبّر الأخير عن استيائه مما آلت إليه العلاقات بين البلدين من تدهور.

بعد نحو عام من هذه الزيارة، جمعت بين الجميل والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية (لافيكو) -المملوكة للحكومة الليبية والمُوقَع عليها عقوبات أممية منذ العام 2011- شراكة في شركة قبرصية تسمى "لايون ورلد" (Lionworld Trading & Investment Limited)، استمرت حتى العام 2016.

يكشف التحقيق عن هذه الشراكة، اعتماداً على وثائق حصلت عليها "أريج"، في إطار مشروع "وثائق قبرص السرية"، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، ومؤسسة Paper Trail Media. 

ويتوصل التحقيق إلى أن الشركة المالكة جزئياً لـ"لايون ورلد" هي شركة مملوكة لأمين الجميل، وهو ما لم يظهر في سجل الشركات القبرصي، فيما يظهر اسم الجميل باعتباره فقط مديراً لـ"لايون ورلد".، كما يبدو أن القائمين على الشركة حاولوا توفير قناة نقل أموال من السلطات الليبية، في ظل احتمالية عدم ممارسة الشركة لأي أنشطة تجارية؛ وذلك استناداً إلى ملفات الشركة المتاحة في سجل الشركات القبرصي، وتقارير "ديوان المحاسبة" الليبي، وتحليل الخبراء لهيكل الشركة وحساباتها البنكية.

القناع القبرصي 

في 15 أيلول/سبتمبر 2004، أُسست شركة "بيلجروند" (Bellground TRADING AND INVESTMENTS LIMITED) في مدينة نيقوسيا القبرصية، متخذة من عنوان وكيل تسجيلها "دادلو" (DEMETRIOS A. DEMETRIADES LLC)، مقراً لها.

تُظهر بيانات سجل الشركات القبرصي أن اسم الشركة "بيلجروند"، تغير بعد أيام قليلة من إنشائها إلى "لايون ورلد". وتوزعت أسهمها البالغة 1000 سهم بالتساوي بين الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، وشركة "كاستلاين" (Casteline Trading and Investments).

مستند شركة "لايون ورلد" 

وتولى إدارة "لايون ورلد" اللبناني أمين بيار الجميل، والليبيان حامد العربي الحضيري ومحمد عرفة. فيما عينت شركة المحاماة مجموعة من موظفيها في إدارة الشركة، من دون صلاحيات واسعة.

وبعد ساعات من إنشاء "لايون ورلد"، أقدمت "دادلو" على تسجيل شركة أخرى باسم "بريكتون" (Bricktown Trading and Investments Limited)، على عنوانها.

بالبحث خلف شركة "بريكتون" في سجل الشركات القبرصي، وجدنا أنها نفسها شركة "كاستلاين" المالكة جزئياً لـ"لايون ورلد"، ولكنّ اسمها -مثل "لايون ورلد"- تغير بعد أيام قليلة من التأسيس. وتشير مستندات سجل الشركات القبرصي أن ملكية "كاستلاين" ترجع إلى شركة المحاماة "دادلو".

مستند شركة "كاستلاين"

على النقيض من مستندات سجل الشركات، تُظهر الوثائق المسربة من "دادلو" أن الجميل هو المالك الوحيد لـ"كاستلاين"، التي بلغ عدد أسهمها عند التأسيس 500 سهم، بقيمة 500 جنيه قبرصي.

مستند ملكية الجميل لكاستلاين

يثير عدم إظهار اسم الجميل باعتباره مالكاً لـ"كاستلاين" علامات استفهام، وعدم إظهار الاسم هو نهج يصفه فابيانو أنجيليكو، الباحث في مجموعة أبحاث النزاهة العامة (منظمة دولية متخصصة في الشفافية ومكافحة الفساد مقرها سويسرا)، بـ"القناع" الذي توفره شركات "الأوفشور" لرجال الأعمال، لتمكنهم من تجنب الضرائب، وللسياسيين الذين يرغبون في تحويل الأموال من دون تقفي آثارهم.

شبكة العدالة الضريبية -مؤسسة مستقلة مقرها بريطانيا- فحصت هيكل الشركة، واستنتجت أنه لا يوفر معلومات كافية عن ملكية "لايون ورلد"، مضيفة أن "الحصول على معلومات إضافية يستلزم الرجوع إلى سجل المالك الرئيس للشركة". 

وتشير الشبكة إلى أن قبرص لطالما صُنفت ضمن الوجهات التي توفر السرية لمالكي الشركات، ولا تطالب بالكشف عن مالكيها؛ ما يجعلها وجهة مفضلة للأفراد الذين يسعون إلى إخفاء أموالهم، وفق مؤشر السرية المالية للشبكة.

وبهذا، تتضح معالم شركة "لايون ورلد" القبرصية؛ فأسهمها توزعت مناصفة بين شركة مملوكة للجميل والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية. 

2.png

ولكن.. ماذا عن الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية؟

أُسست الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية في العام 1981، وأطلق عليها اسم "الشركة العربية الليبية للاستثمارات الخارجية" (لافيكو).

وترجع ملكية الشركة بالكامل إلى الحكومة الليبية، التي ضخت فيها رأسمال بلغ 500 مليون دينار ليبي؛ بغرض "استثمار الأموال العربية الليبية خارج ليبيا" في مختلف القطاعات.

تعرضت الشركة في 1986 -كغيرها من المؤسسات الاقتصادية الليبية- للعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على الحكومة الليبية؛ لاتهامها بدعم تفجيرات مطارات فيينا وروما في 1985. وألغت وزارة الخزانة الأميركية هذه العقوبات قبل تأسيس "لايون ورلد" بنحو 15 يوماً؛ أي في مطلع أيلول/سبتمبر 2004.

cut-section.jpg
صورة المقر السابق للشركة الليبية للاستثمارات الخارجية

في 2006، انضوت الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية تحت مظلة المؤسسة الليبية للاستثمار، التي ضمت خمس شركات.

عقب اندلاع الثورة الليبية في 2011، أدرجت الأمم المتحدة بعض الكيانات الاستثمارية الخاضعة للمؤسسة الليبية للاستثمار -من بينها الشركة الليبية العربية للاستثمارات الخارجية- للعقوبات؛ نظراً لأن هذه الكيانات "شكّلت لشركاء القذافي مصدراً للإثراء، ما أدى إلى سوء إدارة الاستثمارات وقلة عائداتها. ويُعتقد أيضاً أن الطابع المبهم الـذي اتسم به هيكل الملكية في تراتبية الفروع شكّل أيضاً خطوة مدروسة من النظام السابق، لتيسير غسل الأموال المختلسة من الدولة، لتحويلها إلى أصول ذاتية في الخارج".

وقيّمت وقتها الأمم المتحدة رأسمال المؤسسة الليبية للاستثمار بـ 40 مليار دولار، فيما بلغ رأسمال الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية نحو 881 مليون دولار أميركي. ونتيجة لعقوبات مجلس الأمن، جُمّدت ودائع لـ"لافيكو" بالخارج بقيمة تناهز 11 مليون دولار.

ويبقى السؤال مطروحاً: ما الذي يدفع شركة ليبية حكومية رأسمالها يُقيّم بالملايين، إلى الدخول في شراكة مع شركة قبرصية لا مقر لها، وحديثة العهد، ويبلغ رأسمالها 500 جنيه قبرصي فقط؟

عدو العدو شريك

في مطلع الألفية الجديدة، بدت الأمور في لبنان تتغير، وتعرض نظام القذافي إلى حملة قوية من حركة "أمل" اللبنانية، التي اتهمت نظامه بالوقوف وراء اختفاء مؤسسها، موسى الصدر.

اختفى الصدر في عام 1978 عندما كان في زيارة إلى ليبيا، وأنكرت السلطات الليبية أي علاقة لها باختفاء القيادي الديني اللبناني، مدعية أنه ترك البلاد متوجهاً إلى إيطاليا.

وتشير وثيقة أفرجت عنها المخابرات الأميركية، سي أي إيه إلى أن جهات اتصال إيطالية زعمت للسفارة الأميركية في روما أنه (الصدر) لم يصل إلى روما مطلقاً.

ووصلت الأمور إلى ذروتها عندما اتخذت السلطات الليبية في أيلول/سبتمبر 2003، قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، إثر مطالبات رئيس حركة أمل نبيه بري، بتدخل المنظمات الدولية، لكشف ملابسات اختفاء الصدر في ليبيا.

في خضم هذا النزاع بين الطرفين، كان هناك صراع آخر يدور في الأروقة السياسية اللبنانية، يبرز على قمته دور أمين الجميل، ونجله بيار الجميل، النائب -حينذاك- في البرلمان اللبناني.

كان الجميل عاد عام 2000 إلى لبنان، بعد نفي اختياري قضاه متنقلاً بين فرنسا وسويسرا وأميركا، بعد انتهاء ولايته الرئاسية عام 1988.

وصار الجميل وحزبه "الكتائب" في خضم حركة المعارضة للوجود السوري في لبنان، الذي أسفر عام 2005 عن تأسيس تحالف "14 آذار". وقف هذا التحالف في مواجهة تحالف"8 آذار" الذي ضم -ضمن عدة حركات وتيارات وأحزاب- حركة "أمل" بقيادة  نبيه بري.

احتفظ الجميل بخصومة قديمة مع حركة أمل، عندما اعترضت الحركة على اتفاقية 17 أيّار عام 1983 التي كان الجميل ينوي إبرامها مع إسرائيل، وقادت حركة "أمل" ما عرف باسم "انتفاضة 6 شباط عام 1984" ما أجهض هذه الاتفاقية.

كان القذافي هو الآخر أحد المعترضين على الاتفاقية المجهضة، إلا أن جبال الجليد بين القذافي والجميل ذابت بعد وساطة ملك المغرب، وما تبعها من زيارة الجميل إلى القذافي في خيمته في طرابلس، وانتعاش تجارة بعض السلع بين البلدين حينها.

وظلت حبال الود موصولة بين الاثنين، حتى بعد مغادرة الجميل منصبه، وبقي على اتصال بالسفارة الليبية لدى فرنسا، وفق سفير ليبيا الأسبق في باريس.

بعد ترك الجميل منصبه الرئاسي ومغادرته لبنان، عمل محاضراً جامعياً، وعندما عاد إلى بلده، استمر في عمله الأكاديمي، بالإضافة إلى استئناف مسيرته السياسية بقيادة "المعارضة الكتائبية"، ولم ترد في سيرته المنشورة على موقعه أي إشارة لممارسته أنشطة تجارية أو مالية.

وعندما تأججت الخلافات بين لبنان وليبيا، دفع الجميل بنفسه وسيطاً لعودة العلاقات، متوجهاً بصحبة نجله إلى طرابلس في حزيران/يونيو 2003؛ لمناقشة العلاقات المتدهورة بين البلدين.

"علاقتي به كانت ممتازة، التقيت به عدة مرات، وكان يطمح إلى تحسين العلاقات"، هكذا وصف السفير الليبي الأسبق في لبنان عبد القادر غوقة، مساعي الجميل لإعادة العلاقات بين البلدين. 

وينفى غوقة أن يكون "حزب الكتائب" حظي بدعم من القذافي، مستدركاً أن القذافي كان يدعم أحزاب وحركات في لبنان، ولكنّه -كسفير سياسي- لا علاقة له بهذا الدعم، ولا علم له بأي شراكة جمعت بين الجميل والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية.

قناة بين بلدين

عندما أُسست "لايون ورلد"، كان الجميل يقوم بدور في الحياة السياسية اللبنانية، وينطبق عليه مفهوم "شخص أجنبي ذو صفة سياسية". وتطالب التوصيتان 12 و22 الصادرتان عن مجموعة العمل المالي، الدول الأعضاء -من بينها قبرص لكونها عضواً في الاتحاد الأوروبي- بضمان قيام المؤسسات بتنفيذ تدابير لمنع إساءة استخدام السياسيين للنظام المالي.

كما شددت التوصية رقم 12 على ضرورة الكشف عن هوية مالكي الشركات من الأشخاص ذوي الصفة السياسية، لمنع "التحايل على ضمانات مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، ومكافحة الفساد، بفتح حسابات أو إقامة علاقات تجارية أو إجراء معاملات باستخدام أطراف ثالثة، مثل الوسطاء أو الكيانات القانونية".

ورغم هذا، لم تسجل شركة المحاماة "دادلو" ملكية "كاستلاين" في سجل الشركات القبرصي باسم الجميل، مظهرة بذلك نمطاً متكرراً في إجراءاتها عند تسجيل شركات مملوكة لسياسيين.

وكانت "لايون ورلد" تملك عند تأسيسها 1000 سهم فقط، بقيمة ألف جنيه قبرصي. 

ولكن بداية من نيسان/أبريل 2005، تلاحقت التطورات على الشركة، فقد أقدم مديرو الشركة على فتح حساب بنكي في مصرف ليبيا الخارجي، فرع طرابلس. وترجع ملكية هذا البنك بالكامل لمصرف ليبيا المركزي، وأُنشئ المصرف لإجراء جميع العمليات المالية والاستثمارية التابعة لليبيا خارج البلاد.

ووفق المستندات المسربة، يوقع على فتح الحساب البنكي كل من أمين الجميل وحامد العربي الحضيري ومحمد عرفة. ولا يحق للبنك اتخاذ أي إجراء إلا عند وجود توقيع اثنين من المديرين الثلاثة على المعاملة المالية.

مستند فتح حساب بنكي في مصرف ليبيا الخارجي

ولا يُلزم قانون الشركات القبرصي الشركات المؤسسة في ولايته القضائية، بفتح حساب بنكي داخلي يخضع لسلطة قبرص.

وبعد شهر من فتح الحساب البنكي، قرر مالكو "لايون ورلد" رفع عدد أسهم الشركة إلى 581 ألف سهم بقيمة 581 ألف جنيه قبرصي (993.5 ألف يورو)، موزعة ملكيتها مناصفة بين "كاستلاين" المملوكة للجميل، والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية.

وظلت الشركة تحتفظ برأس المال هذا، حتى حلها في كانون الثاني/يناير 2016.

واللافت للنظر، وجود مراسلات في صيف 2010 بين "لايون ورلد" ومصرف "شمال إفريقيا التجاري" في بيروت، بدت وكأنها لغرض فتح حساب بنكي؛ إلا أن الوثائق المسربة لا تظهر ما إذا تمّ فتح هذا الحساب أم لا.

مستند طلب فتح حساب بنكي في مصرف شمال إفريقيا التجاري

ويملك المصرف العربي الليبي الخارجي 99.5 في المئة من مصرف "شمال إفريقيا التجاري"؛ لذا وقع المصرفان تحت طائلة العقوبات الأميركية المفروضة في 2011 على الكيانات المالية التابعة للقذافي.

وتحتفظ "لافيكو" بحسابات بنكية في مصرف "شمال إفريقيا التجاري"؛ ما دفع الأمم المتحدة إلى إبلاغ السلطات اللبنانية في 2012، بضرورة استمرار تجميد أموال الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية المودعة في هذا المصرف.

٢٢٢.png
غراف الشركة متضمنا حسابتها البنكية 

يحلل تيم أتون، الباحث في الاقتصاد السياسي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز الدراسات البريطاني "تشاتام هاوس"، هيكل الشركة، مشيراً إلى أنه -بصرف النظر عن الغرض من إنشاء الشركة- يبدو أن السلطات الليبية سعت إلى السيطرة على هيكل الشركة على كل المستويات، ولن يحدث أي إجراء مالي تابع للشركة خارج عن سيطرتها.

ويخلص وارن ثومبوثون، الصحفي الاقتصادي في مؤسسة "Finance Uncovered" البريطانية المتخصصة في مساعدة الصحفيين في تتبع الشركات، إلى نتيجة أتون نفسها، عند نظره إلى هيكل هذه الشركة، وحسابها البنكي، مشيراً إلى أن هذا الهيكل قد يكون لـ"تيسير عملية نقل الأموال من القذافي إلى الجميل"، مستدركاً أنه من الصعوبة بمكان إثبات تحويلات الأموال، والغرض منها، كما أن عدم توفر القوائم المالية للشركة يعقّد من معرفة إذا ما كان الجميل قد استفاد شخصياً من هذه الشراكة، ولكن يظل هذا الهيكل مثيراً للريبة.

فيما يلفت فابيانو أنجيليكو، الباحث في مجموعة أبحاث النزاهة العامة، النظر إلى أن الحسابات البنكية من شأنها أن تستخدم في دفع أجور ومكافآت العاملين في الشركة، وغيرها من المدفوعات لمقدّمِي الخدمات الذين لا يرغبون في الظهور، كما أن مديري الشركة من السياسيين قد يستخدمونها في "تحويل الأموال أو الحصول على أرباح من فوائدها الرأسمالية، ويمكن أن تكون شركة الأوفشور قناة لتحويل الأموال".

ووفق مذكرة تأسيس "لايون ورلد"، يستحق مديرو الشركة تقاضي مكافآت دورية، يحددها أعضاء الجمعية العمومية.

ولا يندهش أتون من نمط الشراكة هذا بين الجميل والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، فلطالما اعتبرت "لافيكو" ذراع القذافي للاستثمار في الخارج -خاصة في مالطا وقبرص- ودائماً ما كان يرتكز عليها -وعلى غيرها من الشركات الحكومية- للدخول في شراكات، وضخ استثمارات تصبو إلى توطيد علاقاته مع سياسيين من كل دول العالم.

كلام أتون ينسجم مع ما كشفته تسريبات "Paradise Paper" (أوراق الجنة) عن شراكة جمعت بين الشركة الليبية العربية الإفريقية للاستثمار -المملوكة للمؤسسة الليبية للاستثمار- وعبد الحكيم عبد الناصر، نجل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.

وذكر في تقرير ديوان المحاسبة الليبي في 2013، أن "لافيكو" أسهمت في شركات من دون إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية اللازمة؛ ما أدى إلى تعثر بعضها وتصفيته. ويبدو أن هذا ما حدث لشركة "لايون ورلد". 

مصير الشركة

ارتبط وجود شركة الجميل -"كاستلاين"- منذ إنشائها بالشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، إذ تحملت الأخيرة رسوم إنشاء الأولى. ثم أُسست "كاستلاين" يوم تأسيس "لايون ورلد"، وظلت "لافيكو" تدفع رسوم التسجيل لشركاتها في قبرص -بما فيها شركة الجميل- حتى 2011.

وارتبط هيكل الشراكة بنظام القذافي، فبعد 2011 تخلفت "لافيكو" عن دفع الرسوم الإدارية لـ"دادلو".

ورغم العقوبات الأوروبية والأممية المفروضة على "لافيكو" عام 2011، عادت الشركة لتدفع مضطرة في 2013 الرسوم الإدارية المتأخرة عليها؛ لرغبتها في تغيير الهيكل الإداري للشركة، إذ استقال مديرو الشركة: أمين الجميل ومحمد عرفة، وحامد العربي الحضيري. 

الحضيري: مهندس الاستثمارات الخارجية 

وقت تأسيس "لايون ورلد"، كان الحضيري يشغل منصب مدير الإدارة العامة للمساهمات في "لافيكو"، قبل أن ينتقل منه إلى منصب مدير عام صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي في ليبيا. وتخصص الصندوق في تأسيس الشركات والمحافظ الخارجية. 

وعندما كان الحضيري مديراً لـ"لايون ورلد" قبل استقالته في 2013، كان اسمه مدرجاً في قائمة الأشخاص المشمولين بقانون 47 لسنة 2012، القاضي بوضع أصولهم وممتلكاتهم تحت إدارة حارس عام، لأسباب متعددة من ضمنها؛ وجود شبهات فساد قوية والإضرار بمصالح الدولة.

وأُدرج اسم الحضيري ضمن النشرة الحمراء للإنتربول، لكن تمّ رفع اسمه لاحقاً، كأغلب رجال نظام القذافي المدرجين في قائمة قانون 47.

ويشغل الحضيري الآن عضو مجلس إدارة الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، ويدير عدداً من مشروعات الشركة في مصر.
وغيرت "لايون ورلد" من هيكلها الإداري، بإضافة مديرين يُلاحظ أنهم ليبيون جميعاً؛ من ضمنهم أبو بكر الخلاب، مدير إحدى الشركات التابعة لـ"لافيكو" في تونس، وحتى ممثل شركة "كاستلاين" كان ليبي الجنسية يعيش في لبنان. 

ويبدو أن مديري الشركة الجدد لم يستمروا طويلاً في مناصبهم، ففي كانون الأول/ديسمبر 2014، أرسلت "دادلو" خطاباً إلى سجل الشركات القبرصي بأن "لايون ورلد" و"كاستلاين" أصبحتا بلا مديرين، وأنها فقدت التواصل معهما (مع الشركتين). وعليه، استقالت "دادلو" من منصبها كسكرتير للشركة.

ولم تعين "لافيكو" أو "كاستلاين" وكيل تسجيل آخر، ما أدى إلى اتخاذ سجل الشركات القبرصي قراراً بحل كل منهما في كانون الثاني/يناير 2016. 

وكان الاتحاد الأوروبي قبل عام من حل الشركة، قد جدد سريان القرار الصادر في 2011 بشأن تجميد أصول الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، لارتباطها الوثيق بنظام القذافي.

أنشطة الشركة 

على الرغم من حل "لايون ورلد" في 2016، ظهرت الشركة -لأول مرة- في تقرير ديوان المحاسبة الليبي الصادر في العام نفسه، مُدرَجة في قطاع الشركات القابضة والتجارية "العاملة" التي تسهم فيها "لافيكو".

ولكنها لم تظهر في مستند حصر الشركات التجارية التابعة لـ"لافيكو"، التي أجرت نشاطاً ربحياً في 2014.

6.jpeg
 

يقول موظف تفتيش في ديوان المحاسبة -رفض ذكر اسمه- إن هذه الشركة لم يتمّ التفتيش على أنشطتها من قبل ديوان المحاسبة، ولم ترد إلى الديوان أي معلومات عن ملكيتها ورأسمالها.

وهذا ما يُظهره تقرير عام 2016، الذي لم يرد فيه رأسمال الشركة، خلافاً لأغلب الشركات الأخرى المُدرَجة في التقرير.

فيما تشير مذكرة إنشاء "لايون ورلد"، إلى أنها أُسست لأغراض تتعلق بممارسة أنشطة تجارية خارج قبرص.

وبالبحث في قواعد بيانات الاستيراد والتصدير وقواعد بيانات ملكية الشركات، لم يظهر أن الشركة أجرت أي أنشطة استيراد وتصدير، ولا تمتلك أي أسهم في شركات أخرى.

وبالتعاون مع الدكتور محمد سامح، المستشار المالي لعدد من الشركات والبنوك الأوروبية، تمّت مراجعة مستندات شركة "لايون ورلد". وتبين أن شركة المحاماة "دادلو"، لم تعدّ أي قوائم مالية للشركة تتضمن الأرباح، رغم أن الاتفاقية بين "لايون ورلد" و"دادلو"، تلزم الأخيرة برفع تقارير دورية عن الأرباح لمالكي الشركة. 

كما أن "لايون ورلد" لم ترفع إلى سجل الشركات القبرصي أي تقارير بشأن الشركة منذ 2005 وحتى 2014، وهو ما يعلق عليه سامح بأنه أمر "يثير أسئلة عدة حول جدية تأسيس الشركة" ويثير الريبة في أنها شركة "ورقية".

تواصلت أريج مع الحضيري، وأرسلنا على عنوان الشركة التي يرأس مجلس إدارتها في القاهرة، بريداً مسجلاً عبر DHL للتعليق عن اشتراكه في إدارة "لايون ورلد" مع الجميل، ولم نتلقَ منه رداً حتى موعد نشر التحقيق.
 
وفي ما يلي نص رسالة الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل على أسئلة أريج:


منذ بداية الألفية الثانية، قررت ليبيا الانفتاح على الغرب وتُرجمت هذه السياسة بقيام معمر القذافي في نيسان 2004 بزيارة رسمية لبروكسل، في هذا السياق، ونظراً لوجود صداقة مع عدد من الأشخاص في ليبيا ولحسن علاقتي مع الدول الغربية، ولأنه لم يعد لي أية صفة رسمية في الدولة اللبنانية، عُرِضَ عليّ التعاون في إطار رغبة شركة الاستثمار الليبية درس فرص التوظيف في دول غربية. وجرى، بمبادرة من الطرف الليبي، تأسيس شركتين لهذا الغرض، وهو -أي الطرف الليبي- من تابع كل الإجراءات القانونية التأسيسية مع مكتب المحاماة في قبرص. 
لم يحصل كل ذلك بصورة خفية فكان حضور الطرف الاستثماري الليبي واضحاً، كما وأنني وافقت على إدراج اسمي بين المدراء للشركتين. أما الإشارة إلى حصول بداية تصفية لشركة وإعادة تأسيس شركة أخرى مكانها، فكان الأمر، كما جرى، بحسب ما أذكر، التوضيح لي في حينه، مجرد إجراء لتعديل الاسم بسبب تشابه الاسم مع اسم شركة أخرى سبق تسجيلها من الغير في قبرص. 
لقد جرت المتابعة والدرس ولكن بدون التوصل الى أي استثمار أو نشاط إذ بقيت بالنتيجة الشركتين بمثابة الشركة النائمة أي Dormant company وبالتالي لم تحقق هاتين الشركتين أية أرباح وبطبيعة الحال لم أتقاضَ أية أرباح. 
بعد مدة وقبل التغيرات السياسية اللاحقة في ليبيا والإطاحة بمعمر القذافي وفي غياب أية نتيجة، اخترت عملياً الانسحاب من هذا الموضوع والتوقف عن المتابعة. لكن من الممكن أن تكون إجراءات تدوين انسحابي قد جرت في فترات لاحقة حيث إنني أهملت الموضوع كما إنني علمت أن المساهمين اتخذوا فيما بعد القرار بتصفية الشركتين إلاّ أنني لم أتابع الإجراءات القانونية بهذا الخصوص وتخليّت عملياً عن تملّك حصة في رأسمال الشركتين. 
إنني أتقدم بهذه التوضيحات وفقاً لما أذكره نظراً لإهمالي للأمر منذ 14 سنة تقريباً. 
كان الموضوع، في سياق انفتاح ليبيا على الغرب بدون أية علاقة بالسياسة اللبنانية أو تأثير عليها لا من قريب ولا من بعيد، مع التذكير أن السياسة في لبنان كانت في حينه متمحورة حول انسحاب الجيش السوري ومستقبل لبنان بعد هذا الانسحاب وعلاقة الأطراف اللبنانية فيما بينها وطبعاً لا علاقة لليبيا بهذه المواضيع على الإطلاق.