تقرير | قطاع الاتصالات في فلسطين.. العمل وسط حقل ألغام

iStock-155432940.jpg

بعد قرابة 27 عاما من استثمار القطاع الخاص الفلسطيني، أكثر من 1.5 مليار دولار في تطوير صناعة الاتصالات، يبرز السؤال الأبرز حول نجاح القطاع في تثبيت نفسه داخل سوق مليئة بالألغام.

اليوم، تنشط في فلسطين شركتان وطنيتان لقطاع الاتصالات، وهما "جوال والاتصالات الفلسطينية، وأوريدو فلسطين"، إلى جانب مزودين لخدمات الإنترنت.

هذه الشركات، تعمل في سوق ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقيد قطاع الاتصالات عبر عدة محاور، تبدأ من تشديد القيود على توسع القطاع وتطوره، ولا تنتهي بمنافسة أكثر من 6 شركات إسرائيلية في سوق الضفة الغربية.

** وضع العراقيل

في السوق الفلسطينية، تنشط أكثر من 4.5 ملايين شريحة اتصال فلسطينية فعالة، وأكثر من 500 ألف خط للإنترنت "ADSL & Fiber"، لكنها تتضمن أيضا، قرابة 800 ألف شريحة اتصال إسرائيلية.

عملت إسرائيل منذ عقدين ونصف، على تعزيز احتلال سوق الاتصالات في فلسطين، عبر بناء شبكات لشركات الاتصالات الإسرائيلية، وتقديم الدعم المالي لها لتقوية تردداتها بالضفة الغربية.

وأمام هذه الاحتلال، أصبحت السوق الفلسطينية في الضفة الغربية المؤلفة من 3.2 ملايين نسمة، سوقاً لنحو 8 شركات اتصالات خليوية، منها شركتان فلسطينيتان فقط.

اليوم، وبينما أصبحت غالبية دول العالم تستخدم ترددات الجيل الخامس للإنترنت (5G)، وبدء دول كالصين، بإجراء تجارب فنية على ترددات الجيل السادس (6G)، فإن سوق الضفة الغربية ما تزال تعمل على ترددات الجيل الثالث (3G)، أي أنها تقدم خدمة إنترنت كانت منتشرة عالميا قبل 15 عاما، والسبب قيود إسرائيلية على تبني ترددات الجيل الرابع.

بينما قطاع غزة الذي يحصي 2.2 مليون نسمة، فإن خدمات الإنترنت عبر الموبايل ما تزال عند ترددات الجيل الثاني (2G)، أي خدمة كانت منتشرة عالميا قبل 20 عاما.

ولا تتوقف الصعوبات عند هذه القيود، بل إن وزارة الاتصالات الإسرائيلية وبدعم من مكتب رئيس الوزراء هناك، تمد الشركات الإسرائيلية بتسهيلات لتوسيع نطاق عملها، وقدمت في أكثر من مناسبة دعما ماليا لتوسيع الشبكات للمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.

كما تدير الوزارة فريقا حكوميا وممثلين عن شركات الاتصالات، لتحديد الأولويات لتطوير الصناعة بشكل دوري، وبدعم كامل تقدمه الحكومة الإسرائيلية.

وبسبب الصعوبات المالية التي تمر بها الحكومة الفلسطينية، تضطر شركات الاتصالات العاملة في السوق المحلية، لإدارة عمليات التشغيل وتوسعة الشبكات وتطوير الصناعة بشكل منفرد، وبتمويل ذاتي، ضمن بيئة تقيدها الإجراءات الإسرائيلية.

لكن! أمام هذه القيود، نجح قطاع الاتصالات في تحقيق عدة قفزات، ليس فقط في داخل حدود القطاع، بل تعداه إلى قطاعات حيوية أخرى.

بفضل قوة خدمات الجيل الثالث، نجح قطاع الاتصالات الفلسطيني في تحقيق التحول الرقمي، بعدة قطاعات محلية حيوية، أبرزها القطاع المصرفي، والتحول نحو التكنولوجيا المالية "FINTECH".

كذلك، ظهرت عشرات الشركات ذات الأفكار الريادية القائمة على خدمات الجيل الثالث التي تقدمها الشركات الفلسطينية، بصدارة شركة جوال والاتصالات الفلسطينية.

وعلى الرغم من التقسيمات الجغرافية التي تفرضها إسرائيل في الضفة الغربية (مناطق A B C)، إلا أن تغطية شركة جوال والاتصالات الفلسطينية على سبيل المثال، تتجاوز 99% من المناطق الجغرافية في الضفة الغربية، و100% في قطاع غزة.

بينما تنتشر خدمات الهاتف الثابت لـ "جوال والاتصالات الفلسطينية" في أكثر من 85% من مساحة الضفة الغربية، و100% في قطاع غزة.

وضخت الشركة عشرات ملايين الدولارات في المناطق المصنفة من قبل إسرائيل بـ "C"، وعملت جاهدة على تقديم أفضل الخدمات هناك، إلا أن القيود الإسرائيلية، ما تزال تقف عائقا أمام تغطية كافة المناطق هناك.

تضاف هذه التحديات، إلى جانب الترددات المحدودة التي تقدمها إسرائيل لشركتي "جوال والاتصالات الفلسطينية، وأوريدو"، والتي أثرت سلباً على جودة خدمات الجيل الثالث "3G".

وأمام كل هذه الألغام التي تزرعها إسرائيل - المتفوقة تكنولوجيا على مستوى العالم- إلا أن شركات الاتصالات الفلسطينية تجاوزتها، وحققت نقاطاً مضيئة في هذه الصناعة.

ومطلع العام الجاري، تقدمت فلسطين 58 مرتبة في سرعتي الإنترنت "التنزيل والتحميل"، بحسب ما تظهره أحدث البيانات الصادرة عن مؤشر "Ookla" والذي يرصد سرعة الإنترنت بشكل شهري.

وأظهر المؤشر العالمي الذي يضم أكثر من 170 بلدا حول العالم، أن فلسطين جاءت بالترتيب 72 عالميا في مؤشر سرعة الإنترنت، مقارنة مع المرتبة 130 في يناير 2022.

** مؤشرات الأداء

تقاس عوائد شركات الاتصالات، باحتساب نسبة الأرباح من الاستثمار، ونسبتها أيضا من إجمالي الأصول، إذ تظهر بيانات شركات الاتصالات الفلسطينية تدني هذه العوائد، بنسبة الثلث تقريبا، عن مستويات شركات الاتصالات العاملة في الأردن، وبنسبة تقل قرابة النصف عن شركات الاتصالات في الإمارات والسعودية.

يعود هذا التباطؤ إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها ارتفاع كلفة الاستثمار في قطاع الاتصالات، وارتفاع مجمل الضرائب كنسبة من الأرباح التشغيلية، إلى جانب ارتفاع كلفة المنافسة مع الشركات الإسرائيلية، يبلغ نصيب الفرد من عملائها من الناتج المحلي، أكثر من 40 ألف دولار مقارنة مع نصيب الفرد الفلسطيني الذي لا يتجاوز 4 آلاف دولار.

فبينما لا تتجاوز إيرادات شريحة الاتصال الفلسطينية الواحدة مستوى 30 شيكل، فإن متوسط إيرادات الشركات الإسرائيلية من الشريحة الواحدة هناك، نحو 85 شيكل، ويرتفع الرقم مع إضافة الدعم الحكومي المقدم لتلك الشركات.