ما كان يتخوف منه مسؤولون في الحكومة الفلسطينية قبل أسابيع قليلة، قد وقع، وهو إقدام إسرائيل على تجميد أموال المقاصة اعتبارا من دفعة الشهر الجاري.
وخلال وقت سابق الإثنين، قال وزير المالية الإسرائيلي "بتسلئيل سموتريتش"، إنه وجه كتابا لمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يبلغه فيها أنه طلب من طواقم وزارته تجميد أموال المقاصة للحكومة الفلسطينية، بسبب عدم إدانتها لعملية طوفان الأقصى.
ورغم أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ، أو حتى لم يظهر القرار فعليا من خلال تأخر تسلم المقاصة، إلا أنه يفتح الباب أمام أزمة لا يمكن توقع نتائجها للسلطة الفلسطينية.
وعادة، تحول وزارة المالية الإسرائيلية أموال المقاصة في الأسبوع الأول من كل شهر، وهي أموال جباية الضرائب والجمارك للواردات الفلسطينية، عن الشهر السابق، بمتوسط شهري "بعد الخصومات" يبلغ 750 - 800 مليون شيكل.
وبالتالي، من المتوقع أن يظهر صدق القرار من عدمه بحلول الأسبوع المقبل، إذا لم يصدر تعقيب من مكتب نتنياهو بشأن قرار وزير ماليته.
تحول وزارة المالية الإسرائيلية أموال المقاصة في الأسبوع الأول من كل شهر، وهي أموال جباية الضرائب والجمارك للواردات الفلسطينية، عن الشهر السابق، بمتوسط شهري "بعد الخصومات" يبلغ 750 - 800 مليون شيكل.
يأتي هذا الإعلان من "سموتريتش" بالتزامن مع عدم قدرة أكثر من 140 ألف عامل فلسطيني في إسرائيل، التوجه إلى أعمالهم منذ 7 أكتوبر/تشرين أول الجاري.
** أهمية أموال المقاصة
وتعتبر أموال المقاصة مصدر الدخل الرئيس للحكومة الفلسطينية، وتشكل نسبتها 60% من إجمالي الإيرادات المالية الفلسطينية، بينما تتوزع النسبة المتبقية على الإيرادات التي تتم جبايتها محلياً.
أموال المقاصة، هي العمود الفقري لفاتورة رواتب الموظفين العموميين، وبدونها لن تتمكن من صرف "الأجور المنقوصة" لأكثر من 250 ألف متلق مباشر لهذه الرواتب (موظفون، متقاعدون، أشباه رواتب).
اليوم، ومع صرف أموال المقاصة، فإن الحكومة تصرف أجورا منقوصة لموظفيها تبلغ 85% من الراتب، بسبب خصومات إسرائيلية تتجاوز 250 مليون شيكل شهريا، وتراجع حاد تجاوز 80% في المنح الخارجية.
الخصومات الإسرائيلية، هي مقابل ما تقدمه الحكومة الفلسطينية من مخصصات للأسرى والمحررين، وما تقول عنها إسرائيل ديون على الجانب الفلسطيني لشركات كهرباء ومياه ومشافي وغرامات أخرى.
** ماذا يعني عدم تسلم المقاصة؟
قبل كل شيء، تواجه فلسطين حربا إسرائيلية غير مسبوقة على قطاع غزة، ما يعني حاجة حكومة محمد اشتية إلى السيولة النقدية لإغاثة القطاع، الذي فقد حتى اليوم الإثنين 8300 شهيد وأكثر من 24 ألف جريح.
وفرضية عدم تسلم أموال المقاصة، يعني عجز الحكومة الفلسطينية عن صرف أجور موظفيها بشكل فوري لعدم توفر فوائض مالية، يضاف إلى تعطل أكثر من 140 ألف عامل فلسطيني في إسرائيل عن العمل.
يبلغ إجمالي فاتورة أجور القطاع العام (موظفون، متقاعدون، أشباه رواتب) مليار شيكل شهريا بحسب وزارة المالية، بينما تبلغ أجور العمالة الفلسطينية بالداخل 1.5 مليار شيكل شهريا.
ويعني ذلك، أن السوق الفلسطينية ستفقد تقريبا 2.5 مليار شيكل شهريا، إلا إذا أعلنت الحكومة عن صرف 30% من أجور الموظفين، من خلال الإيرادات التي تتم جبايتها محليا والبالغة 360 مليون شيكل شهريا.
ستطال الخسائر بورصة فلسطين، وتراجع القطاعات الصناعية العاملة في السوق المحلية، وتراجع الاستيراد، وبالمحصلة، سيدفع نحو تراجع الإيرادات الضريبية المحلية.
ولن تتوقف الخسائر عند هذا الحد، بل سيطال تأثر القوة الاستهلاكية في الأسواق الفلسطينية التي تعاني أساسا من ضعف كبير منذ اندلاع الحرب على الغزة، إذ يتوجه المستهلك لخفض الإنفاق مع ارتفاع حدة المخاطر.
كذلك، سيكون القطاع المصرفي أمام خطر تعثر قروض قائمة، وتراجع أكبر في الإقراض المتوقع، وخطر ارتفاع في وتيرة الشيكات المرتجعة.
وتيرة الشيكات المرتجعة ارتفعت منذ الحرب على غزة، بحسب اتصالات أجرتها منصة "المنقبون"، مع عدد من البنوك العاملة في السوق المحلية، بسبب المخاوف من تصعيد أكبر.
كذلك، ستطال الخسائر بورصة فلسطين، وتراجع القطاعات الصناعية العاملة في السوق المحلية، وتراجع الاستيراد، وبالمحصلة، سيدفع نحو تراجع الإيرادات الضريبية المحلية.