موجة تحولات جديدة تشهدها سوق المال الأمريكية، إذ يتجه المستثمرون بشكل متزايد إلى الذهب والبتكوين والمعادن الثمينة كبدائل آمنة عن الدولار الذي بدأ كثيرون يفقدون ثقتهم في استقراره.
هذه الموجة التي يسمّيها المحللون في وول ستريت “تجارة تَبْخيس العملات” باتت واحدة من أبرز الظواهر في عام 2025.
الذهب عند قمة تاريخية
قفزت العقود الآجلة للذهب فوق 4,000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ، بعد أن أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في أغسطس إلى احتمال خفض أسعار الفائدة رغم استمرار التضخم وارتفاع التوظيف.
هذه الإشارة دفعت المستثمرين إلى شراء الذهب بكثافة، ليرتفع سعره بأكثر من 50% منذ بداية العام، وهي زيادة تتفوق حتى على تلك التي حدثت أثناء جائحة كورونا أو الأزمة المالية في 2008.
لكن ما يميّز صعود 2025 أنه لم ينتج عن أزمة مالية كما في الماضي، بل عن قلق متزايد من تراجع قيمة العملات الورقية بسبب الديون والعجز الكبير في موازنات الدول.
ماذا وراء هذا الاتجاه؟
يبحث المستثمرون اليوم عن أصول تحفظ القيمة بعيدًا عن الدولار؛ فالولايات المتحدة تشهد إغلاقا حكوميا جديدا، وعجزا ماليا متفاقما، ووعودا من الرئيس دونالد ترامب بخفض الضرائب مجددًا لتنشيط الاقتصاد.
في الوقت نفسه، وصلت الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية بدعم من حماس المستثمرين تجاه الذكاء الاصطناعي، ما جعل السوق تبدو مفعمة بالمخاطر والمضاربات.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية عام 2022، زادت البنوك المركزية حول العالم مشترياتها من الذهب، ما جعله هذا العام يتفوّق على اليورو كأكبر أصل احتياطي بعد الدولار.
هذا الطلب المؤسسي عزّز الثقة في المعدن الأصفر أكثر من أي وقت مضى.
وفي الوقت ذاته، تراجع الدولار الأمريكي خلال النصف الأول من 2025 إلى أضعف مستوى له منذ أكثر من 50 عامًا، قبل أن يستقر مؤخرًا. لكن الذهب استعاد زخمه بعد خطاب باول الأخير.
وفي سبتمبر وحده، ضخ المستثمرون 33 مليار دولار في صناديق استثمار أمريكية مرتبطة بالذهب، وهو رقم قياسي جديد.
أما بتكوين، فارتفع بأكثر من 30% منذ بداية العام، مسجلًا مستويات قياسية فوق 125 ألف دولار، إذ ينظر إليه الكثيرون على أنه “ذهب رقمي”.
حتى المؤسسات المالية الكبرى مثل بلاك روك عدّلت محافظها لتزيد من نسبة الذهب بجانب أسهم شركات الذكاء الاصطناعي.
بعبارة أخرى، الناس والبنوك المركزية باتوا يرون الذهب كملاذ آمن، مثلما كانوا يرون الدولار من قبل، وهذا مقلق.”
ويرى محللو غولدمان ساكس أن الذهب قد يقترب من 5,000 دولار للأونصة إذا حوّل المستثمرون 1% فقط من استثماراتهم في سندات الخزانة الأمريكية إلى المعدن النفيس.