قائمة الموقع

تحليل | حلم إصدار السندات يراود وزير مالية فلسطين

2025-08-12T19:00:00+03:00
BvC7Q.jpg
المنقبون - The Miners

تدرس الحكومة الفلسطينية حالياً من خلال وزير ماليتها عمر البيطار، خيار إصدار سندات محلية كوسيلة لتوفير السيولة النقدية اللازمة لتغطية نفقاتها الجارية.

ومنذ نوفمبر 2021 لم يحصل الموظفون العموميون في فلسطين وعددهم يتجاوز 147 ألفاً، على راتب كامل إلا مرة واحدة فقط، وسط أزمة مالية هي الأصعب منذ تشكيل السلطة عام 1993.

تأتي خطوة البيطار في وقت حرج، وسط تراجع حاد في الدعم الخارجي، واستمرار الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة – التي تشكل نحو ثلثي إيرادات الخزينة الفلسطينية –.

لكن! لماذا يريد البيطار إصدار سندات وهل سيكون ذلك ممكناً في ظل الوضع الراهن؟

باب البنوك مغلق

الحكومة الفلسطينية ووفق بيانات حصلت عليها منصة المنقبون من وزارة المالية، وبيانات منشورة على موقع سلطة النقد الفلسطينية، وصلت بالفعل إلى سقف الاقتراض المسموح به من البنوك العاملة في السوق المحلية، إذ تجاوزت القروض المصرفية للحكومة حاجز 3.1 مليار دولار.

السندات الفلسطينية – في حال صدرت – لن تحصل على تصنيف ائتماني من وكالات التصنيف العالمية مثل "موديز" أو "ستاندرد آند بورز".

بل إن البنوك نفسها ترفض اليوم تقديم قروض إضافية بسبب وصول التركز الائتماني إلى مستويات تفوق 50%.

والتركز الائتماني هنا يعني أن نسبة كبيرة من إجمالي قروض البنوك ذهبت إلى جهة واحدة – في هذه الحالة الحكومة وموظفي القطاع العام – وهو ما يرفع من المخاطر البنكية، أي أن أي تعثر في السداد سيعرض النظام المصرفي كله لهزة مالية.

معضلة السيولة

في الوضع الراهن، لا تستطيع الحكومة توفير أكثر من 300 مليون شيكل شهرياً، بينما تحتاج فعلياً إلى نحو 1.8 مليار شيكل لتغطية نفقاتها الشهرية بالكامل، منها 1.05 مليار شيكل فاتورة الأجور (موظفون، متقاعدون، أشباه رواتب). 

هذه الفجوة الكبيرة تعكس عمق الأزمة، خاصة في ظل غياب أدوات تمويلية غير تقليدية تستطيع الحكومة اللجوء إليها، كالاقتراض الخارجي أو استخدام احتياطيات نقدية كبيرة، وهي أدوات ببساطة غير متوفرة.

حلم السندات

من الناحية النظرية، إصدار السندات هو أداة تمويلية شائعة تستخدمها الحكومات لجذب أموال من السوق مقابل التزام بسداد أصل الدين مع فوائد في آجال محددة؛ لكن في الحالة الفلسطينية، تبرز عدة تحديات جوهرية تلخصها منصة المنقبون بما يلي:

  1. غياب العملة الوطنية: فلسطين لا تصدر عملة خاصة بها، وتعتمد على الشيكل الإسرائيلي والدولار والدينار الأردني في التعاملات. أي إصدار للسندات سيكون مقوما بعملات أجنبية، ما يضعه تحت مخاطر إضافية في التسوية والدفع.
  2. غياب السيادة على المعابر والموارد: قدرة الحكومة على ضمان تدفق الأموال من وإلى الأسواق محدودة، لغياب السيطرة على الحدود والمعابر، ما قد يضعف ثقة المستثمرين أو المكتتبين في السندات.
  3. الاحتلال الإسرائيلي: أي التزام مالي طويل الأمد يبقى معرضا لاضطرابات سياسية أو قيود إسرائيلية على الحركة المالية، بما فيها التحويلات البنكية.
  4. ضعف السوق المالية المحلية: لا توجد بورصة سندات نشطة أو قاعدة مستثمرين واسعة محلياً، ما يعني أن قدرة الحكومة على تسويق السندات ستكون محدودة إلا إذا استهدفت مؤسسات مالية محلية محددة، وهذه نفسها مقيدة بقيود التركز الائتماني.
  5. غياب التصنيف الائتماني الدولي: السندات الفلسطينية – في حال صدرت – لن تحصل على تصنيف ائتماني من وكالات التصنيف العالمية مثل "موديز" أو "ستاندرد آند بورز". هذا الغياب يجعل السندات أقل جاذبية للمستثمرين الدوليين، ويزيد من المخاطر المدركة حول قدرتها على السداد، ما قد يحد من الطلب عليها أو يفرض عليها فوائد مرتفعة لجذب المشترين.

ووزير المالية البيطار يعي النقطة الأخيرة، خاصة وأنه عمل سابقا في اثنتين من أكبر وكالات التصنيف العالمية، وهما Price Waterhouse Coopers،  وErnst & Young .

سؤال الثقة

إصدار السندات يتطلب مستوى عالٍ من الثقة من جانب المستثمرين في قدرة الجهة المصدرة على السداد، وهذه الثقة ترتبط بالاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي، والقدرة على التحكم بالإيرادات. 

في الحالة الفلسطينية، فإن الاعتماد الكبير على أموال المقاصة – التي تتحكم بها إسرائيل – يشكل عامل هشاشة كبير في هذه المعادلة.

التاريخ X

في أميركا، هناك مسمى التاريخ X وهو اليوم الذي تنفد فيه قدرة الحكومة الفيدرالية على الاقتراض لتمويل التزاماتها بسبب بلوغ سقف الدين المسموح به قانوناً.

الحكومة الفلسطينية وصلت إلى التاريخ X المرتبط بجزئية القطاع المصرفي الفلسطيني، لكن الباب مفتوح أمام قنوات اقتراض من غير البنوك، إلا أن الهشاشة المالية التي وصلتها هذا العام، تجعل من الصعوبة على أي من الدائنين تقديم قروض جديدة.

اخبار ذات صلة